التسميات

الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

الجوع2


وها هي ذا البنت الكبرى تمشي مع صديقتها وأختها بجانبها، فسألتها تلك عن غذائها، وهي التي لم تذق منذ أيام إلاّ الزيت، فتبحث عن وجبة لتدعي أنّها تناولتها فتغطي عن حالتها، لكنّ أختها الصغيرة البريئة تفسد عليها الخطة، و تكشف السرّ الخطير، وتخلص أختها من عناء البحث و التفكير، و مضت إلى قسمها مرتاحة الضّمير، تحسب الزيت غداء لأنها لم تذق غيره و نسيت من الأكل حتى اسمه. و لم تكن عائلة عبد الرحيم وحدها التي قد عرفت من الجوع المحن، فقد كانت الخالة "سليمة " تعيش محنة مشابهة بعد موت زوجها، فذات مرة لم تجد ما تصنعه، و قد آلمها جوع أولادها، كل ما بقي في المنزل، قبضة كسكس، قليل من العدس، و أشياء أخرى، و عند العشاء سأل الصغار عن اسم الطبق، ما الذي ستقوله لهم و هي التي تجهل ما صنعت و أخيرا تجد الاسم و تجيب إنه "بوخلوط" أو (أبو خلوط) و ما ألذّ ذاك الخليط في فم الصغار الجياع، و في الغد تسأل البنات عمّا تناولت كل واحدة و يأتي دور ابنت خالتنا فتنطق باسم الطبق السّحري و تستغرب الفتيات قائلات :" و ما هو هذا البخلوطّ؟"، والفتاة البريئة تستعجب جهلهنّ و تقول :" ألا تعرفنه؟ إنه لذيذ جدّا "، فتشوق الجميع إلى تناوله و هو الذي لا أصل له.


هذا يحدث عندما تفرغ القدور، و يغيب الطعام عن الدّار. و مع هذا و ذاك، تنام الجارة الكريمة – غفر الله لها – على فراشها النّاعم ، شبعانة متخمة و جيرانها لا يداعبهم نوم، و لا يغمض لهم جفن، تعتصر بطونهم الخاوية طلبا للأكل، لا يحسّ بهم سوى خالقهم، يعمر قلوبهم بنور الإيمان، و يلهمهم الصبر والسلوان، فلا يشكون إلاّ إليه ولا يتضرعون لغيره، لأنّ الأمل قد خاب فيمن كان من المفترض أنه يقاسمهم الحزن و الفرح، في جارهم الذي ضرب مثالا ساحقا في سوء الجيرة، و جشع النفس، و نسى أن الله أوصى بالجار في كتابه الكريم، و هذا الرّسول صلى عليه و سلّم لا يمرض له جار إلا عاده حتى لو كان يهوديا، فما بالك بالمسلم، و لا يجوع عنده صاحب إلاّ واساه بما استطاع، و هو الذي قال " لا يزال جبريل ل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".

لكن الأمل باق في الله، الذي لا يخيب من دعاه، يفرج كرب المكروب، و يرفع الضرر و الأذى، و يشفي بالإيمان القلوب، و قد فرجّ عن الأسرة الكريمة محنتها. و استجاب دعاء أمّ صانت عزها وزادت على شرفها شرفا أعظم.
أكمل القراءة... Résuméabuiyad

السبت، 11 أغسطس 2012

الجوع1

كانت محنة عصيبة تلك التي عاشتها عائلة عبد الرحيم أمدا من الدّهر؛ أيام قاسية كلها فقر و جوع.... و ذلك عندما كان ربّ الأسرة غائبا للعمل، و قد طالت غيبته و حتمت عليه الظروف أن يظل بعيدا عنهم. لا معين لهم سوى خالقهم. كان الراتب يصل إليهم كلّ شهر، لكنّه تأخر في هذه المرّة، و ما كان منهم إلاّ الصّبر أملا بالله، وبأنّ المصيبة ستجلي قريبا.
كابدت الأسرة المؤلفة من أمّ وسبعة أولاد لا يتجاوز أكبرهم العاشرة، عناء ومشقة كبيرين، فليس في البيت ما يسكت جوعهم، سوى قليل من الزّيت، وبعض خبز الدّار. أما المال فلم يبق منه إلا القليل، اذّخرته الأمّ لشراء لوازم الدّراسة، فهي لا تريد أن يضيع مستقبل أولادها رغم المحنة.
أما ما يدعو للعجب هو أنّ جارتهم أو بالأحرى عمتّهم، لم تلتفت يوما لحالهم حتّى أنها لم تجد و لو بعض الحليب لطفل رضيع يبكي جوعا، و هي في سعة من العيش، و المرة الوحيدة الّتي زارتهم فيها فاجأت أمّ العيال قائلة :" لديّ خبز يابس قد يسد جوعكم، و يمكنك أن تصنعي منه – شخشوخة – للصّغار، فهل أعطيك منه " بهذه الكلمات ختمت الزّيارة، و يا ليتها لم تتعب نفسها بالمجيء، و تركتهم مع قناعتهم، دون أن تأتي لتعرض طعاما ترمي به للدجاج، وتتركه في العراء، يغطيه التّراب، و يحوم حوله الذباب.

أو ذلك اليوم الذي أعدت فيه الوالدة بعض الطماطم مع قليل من الزيت، فقالت(العمة) كمن يريد التملص من واجب يفرضه عليها حقّ جيرتها ودم القربي الذي يمشي في عروقها :" و الله لهو أفضل طعام يحضّر في جوّ حار كهذا، و قد حدثتني نفسي بتقديمه لأولادي ظهر اليوم "، و هي التي لها ما طاب من اللّحم و أصناف المآكل ستقنع بطبق لا يسمن و لا يغني من جوع؟!!!!

ماذا عسانا نقول في من ذهب ضميره؟ و غطّى على قلبه جشعه؟ فسدّ أذنيه كي لا يسمع بكاء أطفال ينامون على الطوى، و أجسامهم على فراش يابس تتلوى، لم يرق قلبها و هي تراهم مع شحوب وجوههم ساعين كالنحل، كلّ صباح إلى مدارسهم، يطلبون غداء الروح و العقل. بعدما قصرت يدهم عن غداء الجسم، و هم في عفة و غنى عمّا في أيدي النّاس يجاهدون في صمت كي لا يشمت بهم أحد، عزة نفوسهم تمنعهم من الذّل، و سمو أرواحهم يجعلهم يكابدون، فهم يبتسمون في وجوه الآخرين و بطونهم تبكي، و يلعبون في صخب و عصافير بطونهم وأمعاءهم جفت حلوقها من كثرة الزقزقة والصياح. لا يعرف معنى أن يبيت الصغار جياعا إ لاّ من ذاق الجوع، و عرف أسراره وآلامه (شاهد المقطع لتكمل في ذهنك الصورة)، و شقي به ليله و نهاره.
يتبع........
أكمل القراءة... Résuméabuiyad

السبت، 4 أغسطس 2012

الكسل والخمول

أمين طفل في العاشرة في الصف الخامس الإبتدائي، ضمه ابن عمته "عماد" مع بداية العام إلى قسمه الخاص، لرفع مستواه في اللغة العربية.
القسم في الطابق العلوي، في غرفة صغيرة يؤدي إليها درج، ينتهي إلى بهو صغير تجلس فيه غالبا ربة المنزل وهي عمة أمين.
أيام من الدراسة مرت، لاحظ عماد خلالها أن خط أمين ردئ جدا، فكلفه بكتابة نصوص كتاب القراءة كاملة.
لم يبدر من الولد حينها ما ينم عن استيائه، لم يتدمر ولم يعترض، بل انتظر بكل هدوء نهاية الدوام، ونزل إلى البهو قبل أن ابن عمته، أين كانت هذه الأخيرة تنتظره لتستفسر عن أخوال أهله. اتجه صوبها وقال: "عندما ينزل عماد أخبريه أنني لا أملك كراسا وليس في البيت قلم؟
رد مذهل لم يبق لبليغ كلاما، ولا لقائل مقالا، ويجدر به أن يصير في الناس مثلا ساريا، عن كل من قصرت همته عن طلب المعالي، وثقل على نفسه ترك فراشه الوثير، وتجاهل نداء النوم الذي يداعب جفنه، ليذهب إلى عمل فيه شقاء مضني، أو يطلب علما يتعب عقله وينغص راحته. وهذا أمر جلل، وشيء خطير له ما بعده من مصائب.. أن يكثر في المجتمع ناس من هذا النفر؛ ديدنهم الخمول وطبعهم الكسل، وحياتهم ملل وفراغ؛ لا غاية ينشدونها، ولا هدف يعيشون لتحقيقه، وباختصار... هم الأحياء الأموات.
يستلقي أحدهم على السرير ويعد الأماني كما يعد النجوم، ثم يستيقظ في غده ويكمل عده، لا يغير في يومه شيئا، وينتظر من الحظ أن يقرع بابه فيشرب من كؤوس الهناء أحلاها.
هذا يرى أول الطريق ولا يبصر آخرها ، و لو مدّ طرفه قليلا لرأى فوق ما يتمنى . ومثال ذلك ما روي عن صيادين ذهبا إلى البحر للصيد ؛ كان أحدهما مستلقيا بينما الآخر يعمل بجدّ ، التفت هذا الأخير إلى صاحبه و قال :
  • جالسا يا صاح؟ قم و اصطد ثمّ بع لتحصل على مال يعينك .
  • هب أني حصلت على المال فماذا سأفعل به ؟ أجاب الأخر.
  • تشتري طوافة صغيرة .
  • و ما بعد شرائها ؟
  • تدخل البحر تصطاد سمكا أكثر و تبيعه .
  • و ماذا أصنع به ؟
  • تشتري قاربا كبيرا .
  • ثم ماذا ؟
  • تبحر إلى مسافة بعيدة حيث تجد الأسماك الكبيرة و الحيتان الغالية .
  • و بعد ؟
  • تجني من بيعها مالا وفيرا.
  • و بعد الحصول عليه ؟
  • تبني بيتا كبيرا .
  • ما ذا أعمل بعدها ؟
  • ترتاح .
أجاب بانشراح : إذن من الأن أنا مرتاح ...‼
الخامل وحده يرى الرقي إلى العلا أمرا صعبا ، وهو بين يديه يسير لو أراد له طلبا ، وسعى إليه سعيا دؤوبا ، و أقدم بكل عزم ، لا يخشى نوائب الدهر ، و لا يتعبه طول السفر ، مادام متسلحا بالصّبر و الحكمة و الإيمان .
إذا ماتمنى المرء إدراك غاية عليه بإهمال التقاعد و الكسل
فلا تدرك الغايات من دون همة ويحظى بها الإنسان بالجد والعمل
هذي رسالتنا لكل فرد ، لأنّ صلاحكم غايتنا ، و نجاحكم أملنا ، فتقبّل أخيّ نصحنا ، ونحن نقول لك دوما : شمّر عن ساعد الجدّ ، و اجعل الكسل لك عدوا . امش قدما تنل مبتغاك ، و اعمل بحزم تجن ثمار تعبك لأنه :
إن كنت تطلب عزا فادرع تعبا أو فارض بالذّل و اختر راحة البدن
فقد قال هادى القلوب – صلى الله عليه و سلم - : "لا تأتوني بأنسابكم و أتوني بأعمالكم "
تذكر أنّ العلم مفتاح الرقي فاطلبه أينما كان ، و لا تسوغ كسلك بذرائع سخيفة لأنّ هذا يحبطك و يحطّ من عزيمتك .
أكمل القراءة... Résuméabuiyad