التسميات

السبت، 11 أغسطس 2012

الجوع1

كانت محنة عصيبة تلك التي عاشتها عائلة عبد الرحيم أمدا من الدّهر؛ أيام قاسية كلها فقر و جوع.... و ذلك عندما كان ربّ الأسرة غائبا للعمل، و قد طالت غيبته و حتمت عليه الظروف أن يظل بعيدا عنهم. لا معين لهم سوى خالقهم. كان الراتب يصل إليهم كلّ شهر، لكنّه تأخر في هذه المرّة، و ما كان منهم إلاّ الصّبر أملا بالله، وبأنّ المصيبة ستجلي قريبا.
كابدت الأسرة المؤلفة من أمّ وسبعة أولاد لا يتجاوز أكبرهم العاشرة، عناء ومشقة كبيرين، فليس في البيت ما يسكت جوعهم، سوى قليل من الزّيت، وبعض خبز الدّار. أما المال فلم يبق منه إلا القليل، اذّخرته الأمّ لشراء لوازم الدّراسة، فهي لا تريد أن يضيع مستقبل أولادها رغم المحنة.
أما ما يدعو للعجب هو أنّ جارتهم أو بالأحرى عمتّهم، لم تلتفت يوما لحالهم حتّى أنها لم تجد و لو بعض الحليب لطفل رضيع يبكي جوعا، و هي في سعة من العيش، و المرة الوحيدة الّتي زارتهم فيها فاجأت أمّ العيال قائلة :" لديّ خبز يابس قد يسد جوعكم، و يمكنك أن تصنعي منه – شخشوخة – للصّغار، فهل أعطيك منه " بهذه الكلمات ختمت الزّيارة، و يا ليتها لم تتعب نفسها بالمجيء، و تركتهم مع قناعتهم، دون أن تأتي لتعرض طعاما ترمي به للدجاج، وتتركه في العراء، يغطيه التّراب، و يحوم حوله الذباب.

أو ذلك اليوم الذي أعدت فيه الوالدة بعض الطماطم مع قليل من الزيت، فقالت(العمة) كمن يريد التملص من واجب يفرضه عليها حقّ جيرتها ودم القربي الذي يمشي في عروقها :" و الله لهو أفضل طعام يحضّر في جوّ حار كهذا، و قد حدثتني نفسي بتقديمه لأولادي ظهر اليوم "، و هي التي لها ما طاب من اللّحم و أصناف المآكل ستقنع بطبق لا يسمن و لا يغني من جوع؟!!!!

ماذا عسانا نقول في من ذهب ضميره؟ و غطّى على قلبه جشعه؟ فسدّ أذنيه كي لا يسمع بكاء أطفال ينامون على الطوى، و أجسامهم على فراش يابس تتلوى، لم يرق قلبها و هي تراهم مع شحوب وجوههم ساعين كالنحل، كلّ صباح إلى مدارسهم، يطلبون غداء الروح و العقل. بعدما قصرت يدهم عن غداء الجسم، و هم في عفة و غنى عمّا في أيدي النّاس يجاهدون في صمت كي لا يشمت بهم أحد، عزة نفوسهم تمنعهم من الذّل، و سمو أرواحهم يجعلهم يكابدون، فهم يبتسمون في وجوه الآخرين و بطونهم تبكي، و يلعبون في صخب و عصافير بطونهم وأمعاءهم جفت حلوقها من كثرة الزقزقة والصياح. لا يعرف معنى أن يبيت الصغار جياعا إ لاّ من ذاق الجوع، و عرف أسراره وآلامه (شاهد المقطع لتكمل في ذهنك الصورة)، و شقي به ليله و نهاره.
يتبع........

هناك تعليق واحد: